تحليل خاص | تأهل الطواحين الهولندية.. الواقعيّة غلبت الاستحواذ

نلاحظ من خلال هذه البطولة أنَّ المنتخب الهولندي قد غيَّر جلده، فترك اللَّعب الهجومي والاستحواذ ولجأ منذ بداية البطولة إلى اللعب الواقعي التَّكتيكي.

تحليل خاص | تأهل الطواحين الهولندية.. الواقعيّة غلبت الاستحواذ

(Gettyimages)

حجزت الطَّواحين الهولنديَّة أوَّل مقعد في دور الثَّمانية، بفوز سهل بمباراة فيها واقعيَّة هولنديَّة واختلاف الطُّرق ما بين هولندا الماضي وهولندا الحاضر مع لويس فان غال، وينتظر الهولنديون ميسي ومنتخب الأرجنتين في الدَّور ربع النِّهائي.

انتهت مرحلة المجموعات ودخلنا في مرحلة الحسابات، انتهينا من مرحلة المتعة ودخلنا مرحلة التَّكتيك، دخلنا مرحلة الفوز ليس شيئا مهما في كرة القدم، الفوز هو الشَّيء الوحيد المهم، فكلّ المنتخبات بقيادة مدرِّبيها لديها حلم التَّأهُّل لدور الثَّمانية لاستكمال الحلم بعيدًا عن دموع الخارجين كلويس سواريز ومن ودَّع المونديال.

مباراة هولندا وأميركا ممكن أن نعطيها عنوانين؛ "الواقعيَّة الهولنديَّة"، أو "الاستحواذ لا يعني أيّ شيء"، وبالفعل هولندا اتَّبعت نظريَّة "المباراة تُكسَب ولا تُلعَب".

لعب لويس فان غال بالواقعيَّة بالكرة التي فيها سمة دفاعيَّة وبعض التَّحفُّظ الدِّفاعي، أمام منتخب أميركي يحاول الضَّغط عاليًا ليُلدغ من جحره ثلاث مرّات.

جاءت أميركا للمباراة بعد تحقيق الفوز على إيران، فوز استنزفت فيه كلّ أسلحتها النَّوويَّة، ولم يعد لديها أي سلاح تواجه به هولندا.

تشكيلة المنتخبين

دخل المنتخب الهولندي اللِّقاء بخطَّة 3-4-1-2؛ نوبرت في حراسة المرمى؛ تيمبير، فان دايك وآكي في خطّ الدِّفاع؛ دومفريس، دي رون، دي يونغ وبليند في الوسط؛ كلاسين خلف جاكبو وديباي في المقدِّمة.

بدأ المنتخب الأميركي اللِّقاء بخطَّة 4-3-3؛ تيرنر في حراسة المرمى؛ ديست، زيميرمان، ريم وروبنسون في خطّ الدِّفاع؛ موسى، أدامز وماكيني في الوسط؛ وفي المقدِّمة كلّ من ويّاه، فيريرا وبوليسيتش.

تحليل المباراة

بدأ المنتخب الهولندي اللِّقاء بخطَّة 3-4-1-2، تتحوَّل في الحالة الدِّفاعيَّة إلى 5-4-1، ثمَّ تحولت في الحالة الهجوميَّة في مرحلة بناء اللَّعب إلى 4-3-3 أو 5-4-1 كما فعل في الشَّوط الثّاني.

المنتخب الأميركي لعب بـ4-3-3، ففي مباراة إيران كان وسط المنتخب الأميركي رائعا، لكن في هذه المباراة بدا فرق القيمة الفنِّيَّة بين الخصمين الإيراني والهولندي واضح جدًا.

في مباراة إيران تألَّق لاعبو المنتخب الأميركي بالضَّرب بالكرات الطَّويلة خلف دفاعات المنتخب الإيراني، لكن في هذه المباراة درس فان غال خصمه جيِّدًا، ولم يترك أي شيء للصُّدفة، فلعب المباراة بخطّ دفاع منخفض.

بدأ المنتخب الأميركي اللِّقاء بضغط عال في أماكن متقدِّمة على الدِّفاعات الهولنديَّة بينما ترك المنتخب الهولندي الكرة، بخطّ دفاع منخفض جدًا وبضغط متوسِّط، وهنا تكمن خطورة المنتخب الهولندي في هذه البطولة، فلن نرى منتخب هولندي مسيطر ومستحوذ على الكرة، بل سيترك الكرة لخصمه وسيعتمد على التَّحوُّلات الهجوميَّة السَّريعة، ضاربًا بعرض الحائط الكرة الهجوميَّة التي اعتدناها من المنتخب الهولندي، وهنا تكمن واقعيَّة فان غال والمنتخب الهولندي في هذه المباراة.

في الشَّوط الأوَّل كان المنتخب الأميركي مستحوذًا على اللَّعب، لكن دون تشكيل أيّ خطورة على مرمى المنتخب الهولندي، فقد أغلق لاعبو فان غال كل الطُّرق المؤدِّية إلى مرماهم، ليتحوَّل الاستحواذ الأميركي إلى استحواذ سلبي لا فائدة منه.

من أجل تطبيق نظريَّة الضَّغط العالي كما يجب بالنِّسبة للمنتخب الأميركي، كان لا بدّ من استخلاص الكرة بعد فقدانها بسرعة كبيرة، إلّا أنَّ عمليَّة بناء الهجمة المميَّز بقيادة دي يونغ للمنتخب الهولندي منع المنتخب الأميركي من استرجاع هذه الكرات بسرعة.

ومن هنا جاء الهدف الهولندي الأوَّل، لكن قبل أن نتحدَّث عن الهدف الهولندي الأوَّل يجب أن نستذكر شيئًا من عمليَّة الهجوم الهولنديَّة في المباراة؛ المنتخب الهولندي لم يهاجم من الجهة اليسرى التي يتواجد فيها بليند، إنَّما هجومه كان من الجهة اليمنى التي يتواجد فيها دومفريس، وذلك بسبب منظومة أميركا الدِّفاعيَّة التي أعطت الفرصة للمنتخب الأميركي، بالإضافة إلى تألُّق دومفريس وتقدُّم روبنسون دائمًا إلى المناطق الهولنديَّة، الأمر الذي أحدث ثغرة على هذه الجهة بالنِّسبة لدفاع المنتخب الأميركي.

عندما يستلم المنتخب الهولندي الكرة يكون هناك 4 لاعبين في خطّ الدِّفاع؛ تيمبير يكون ظهير أيمن، ودومفريس يتقدَّم لخط الوسط ليسحب روبنسون معه، فيتحرَّك جاكبو في المساحات الفارغة في الجهة اليمنى ويبدأ بتشكيل الخطورة على المنتخب الأميركي، فنرى أنَّ منظومة هولندا ساعدت في ضرب التَّنظيم الدِّفاعي للمنتخب الأميركي.

نعود الآن للهدف الأوَّل في الدَّقيقة العاشرة؛ المنتخب الهولندي يدافع، يلعب بضغط متوسِّط ويراهن على التَّحوُّل، ففي لقطة الهدف الأوَّل، بعد استخلاص الكرة من الهجوم الأميركي، ناتان آكي لعب كرة سريعة للجهة اليسرى، تحولت عن طريق دي رون للوسط، وقام دومفريس بسحب روبنسون معه، ليفرِّغ المساحة لجاكبو وهكذا إلى أن وصلت الكرة منطقة جزاء أميركا وسجَّل الهولنديّين الهدف الأوَّل.

بعد الهدف الأوَّل للهولنديّين، تراجعوا مرَّة أُخرى، خط دفاع منخفض، ضغط متوسِّط واستحواذ أميركي، وبهذه الطَّريقة نفسها سجِّل الهولنديّين الهدف الثّاني في الدَّقيقة 46، لكن هذه المرَّة بتقدُّم بليند للهجوم وتسجيل الهدف بنفسه.

بهذا الهدف انتهى الشَّوط الأوَّل بتقدُّم مريح وواقعي للطَّواحين الهولنديَّة عن طريق التَّحوُّلات السَّريعة.

في الشَّوط الثّاني

نتيجة الشَّوط الأوَّل أراحت فان غال كثيرًا، فبدأ في مطلع الشَّوط الثّاني بإجراء التَّغييرات؛ فلحلّ مشكلة دي رون في الوسط أخرجه وأقحم مكانه تيون كووبميينيرز، ولتنشيط الجانب الهجومي أخرج كلاسين وأدخل مكانه بيرغوين لتتغيَّر الخطَّة وقلب المثلَّث الهجومي إلى 3-4-2-1 بجاكبو وبيرغوين خلف ديباي في الهجوم.

ردَّ مدرَّب المنتخب الأميركي على هذه التَّغييرات بإدخال رينا مكان فيرارا، فكان يبحث برهالتر في هذا التَّبديل عن لاعب قادر على الاستلام بين الخطوط ويسهِّل عمليَّة بناء الهجمة للأميركيين بزحمة منتخب هولندا ودفاعه والتَّحوُّل.

في الدَّقيقة 67 أجرى المدرِّب الأميركي تبديلا آخر بإخراج ماكيني من الوسط وإدخال ارونسون، ليعتمد بذلك على لاعبين في الوسط بدلًا من ثلاثة، ليلعب عندها بخطَّة 4-2-3-1.

بعد هذه التَّبديلات أصبحنا نلاحظ كثافة أميركيَّة في الثُّلث الهولندي الأخير، بالإضافة إلى الفرص والاستحواذ وتهديد مباشر لمرمى نوبرت، إلى أن جاء الهدف الأميركي الوحيد في الدَّقيقة 76 بعد سوء في التَّمرير من ديباي.

هذا الهدف لم يسعف المنتخب الأميركي، ولم يدم فارق الهدف طويلًا ليسجِّل المنتخب الهولندي الهدف الثّالث بعد جملة رائعة من التَّمريرات بين الأجنحة بليند ودومفريس في الوسط ليسجِّل الأخير الهدف الثّالث معلنًا تأهل المنتخب الهولندي للدَّور القادم.

على الهامش

* بهذا الفوز ضرب المنتخب الهولندي موعدًا في ربع النِّهائي مع منتخب التّانغو الأرجنتيني، في قمَّة لا تقبل القسمة على اثنين.

* بهذا الأداء التَّكتيكي المقنع، يبعث المنتخب الهولندي برسالة قويَّة إلى المنتخبات الأخرى بأنَّه لن يكون لقمة سائغة لأحد، وسيكون من المرشَّحين للفوز بالبطولة.

* نلاحظ من خلال هذه البطولة أنَّ المنتخب الهولندي قد غيَّر جلده، فترك اللَّعب الهجومي والاستحواذ ولجأ منذ بداية البطولة إلى اللعب الواقعي التَّكتيكي.

* الآن انتهت مرحلة اللَّعب الممتع وجاء دور المباريات التي تُحسَم على أدقّ التَّفاصيل، من يريد الفوز عليه التَّركيز طيلة 90 دقيقة، أيّ هفوة هنا أو هناك قد تكلِّف المنتخب خسارة البطولة.

* نلاحظ من خلال مباريات كأس العالم أنَّ لويس فان غال نفسه غير مقتنع بدي بون إطلاقًا، لكن من خلال الكادر الموجود في البطولة لا يوجد بديلا عنه، فحضوره سيكلِّف أقلّ الأضرار.

* بعد المباراة الأولى أصبح فان غال يفضِّل اللَّعب بتيمبير على حساب دي ليخت، لأن الأخير لا يعطي المدرِّب المرونة التَّكتيكيَّة على عكس تيمبير الذي يجيد اللَّعب كقلب دفاع وظهير أيمن.

* الحركيَّة التي يتمتَّع بها ثلاثي الهجوم في المنتخب الهولندي تعطي المدرِّب حلولا تكتيكيَّة عظيمة، من شأنها أن تُحدِث الفوضى في دفاعات الفريق الخصم.

رجل المباراة

دومفريس؛ كان بمثابة مفتاح لعب ومحطَّة أساسيَّة للهجمات الهولنديَّة على الجهة اليمنى، ساند الفريق دفاعيًا وهجوميًا، كان صاحب التَّمريرة الحاسمة في الهدفين الأوَّل والثّاني وسجَّل الهدف الثّالث، لقد كان بالفعل نجم هذا اللِّقاء.

التعليقات